كان ذلك الهول المزعج ، الذي نزل بالعالم الإسلامي من جراء الأحداث المرعبة التي أصابته فنبهته إلى نسبة مقامه ، في تأخره وانحلاله في مقام العالم الأوروبي ، في تقدمه وحزمه ، هولاً ، قد ضيق من صدره الذي كان منشرحاً للإسلام ، تضييقاً أحرجه وأضناه ، ومس مساً مؤلماً دامياً ، موقع العقيدة الدينية من قلبه ، إذ أصبح يشعر بأن حقيقته القومية الإسلامية قد بدأت تبتعد عنه ، مندرجة في الماضي المنقرض ، وأنه بقي في حاضره غريباً عن كل شئ غربة لاتقف عند حد ما قال أبو الطيب:
ولكن الفتى العربي فيها
غريب الوجه واليد واللسان
بل تتجاوز ذلك إلى ما هو أبلغ في وحشة الاغتراب ، أعني غربة الرجل في وطنه ، التي يقول فيها أبو العلاء:
أولو الفضل في أوطانهم غرباء
تشذ وتنأى عنهم الغرباء
ثم إلى حالة من الغربة فوق ذلك كله: هي غربة الإنسان بنفسه عن نفسه ، حيث يحس بأنه واقف من صروف أحداثه وتقلبات زمانه ، موقفاً يجعله شاهداً في الغائبين ، وغائباً معدوداً في الشاهدين حيث يكون بحسه مع الأحداث مخالطاً لها ، ويكون لبه وجوهر نفسه قد تخلفا عنه ، لأنهما لم يستطيعا لتلك الأحداث الثقيلة المنكرة ، خلطة ومراساً ، فيكون في وقت واحد هو ليس هو ، ويشهد الأحداث شهوداً حسياً في ذهول إدراكي إذ تمتد يده إلى أمور لا يطمئن إليها قلبه ، ويرى بصره قريباً ، ما يوده فؤاده بعيداً ، فتضطرب في نفسه الأحاسيس ، وتتدافع العوامل وهو تارة يبتعد عن حضوره النفسي متعلقاً بجريان الأحداث الماثلة من حوله ، وتارة أخرى يغيب عن حضوره الشبحي طائراً إلى مسبح نفسه في آفاق الحقائق المجردة ولسان حاله ينشد:
ردوا على جفني النوم الذي سلبا
ونبئوني بعقلي أين ذهبا
فلا يزيد عليه يوم على ذلك إلا وحيرته زائدة ، واضطرابه مرتبك به ، وألمه بالغ مبلغ ما قال ابن الفارض:
عمره واصطباره في انتقاص
وجواه ووجده في ازدياد
في قرى مصر جسمه والأصيحا
ب شاما والقلب في أجياد
Post Top Ad
الاثنين، 22 مارس 2021
131 التفسير ورجاله للطاهر بن عاشور الصفحة
التصنيف:
# المتشابهات .. كنز الحفاظ في متشابه الألفاظ
عن Tech News
مرحبا! أنا أسمي محمد أعمل هنا في مدونتي وأشارك معكم كل جديد على الانترنت لتعم الفائدة على الجميع وإثراء المحتوى العربي، يسرني دائمًا تلقي ملاحظاتكم وإستفساراتكم من خلال نموذج الأتصال :)
مشاركات أحدث
132 التفسير ورجاله للطاهر بن عاشور الصفحة
مشاركات أقدم
130 التفسير ورجاله للطاهر بن عاشور الصفحة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق